غياب - اليك القصة

غياب - اليك القصة



”عمرك تخيلت إن هييجي اليوم اللي تشوف فيه ناس ماتوا من سنين قدام عينك؟“

مساء الخير أنا يوسف، لازم تعرف حاجة قبل ما أحكي لك قصتي، أعداد الأنتحار زادت أوي في الفترة اللي بين 2030 لـ 2035 والأحصائيات أثبتت إن الأعداد زادت بسبب موت أو غياب أشخاص عزيزة على الناس اللي أنتحرت، بس المشكلة دي أتحلت بسنة 2040.

المجتمع العلمي قرر يحل المشكلة دي، فقرروا يخترعوا جهاز عبارة عن شريحة في المخ بتتحط بعملية معقدة وشبه خطر جدًّا بيتحكم فيها جهاز بيسمح بإضافة أكثر من شخص بأشكالهم، وأسلوب حياتهم، وطريقة كلامهم، أو بمعنى أصح، كل شيء يخصهم هيتعرض قدام عينك، الجهاز ده أسمه ABSENCE.

في بداية ظهور الجهاز ده عمل ضجة عالية جدًّا وسط الناس، الجهاز ده بقى شيء مهم ليا، أستنيت السن القانوني عشان أقدر أركبه، خصوصًا إنه ظهر بعد وفاة أمي بفترة ...
- جاهز يا يوسف ؟

صحيح نسيت أقولكم حاجة مهمة، أنا دلوقت في أوضة العمليات عشان أركب الشريحة في مخي، رديت على الدكتور:
- جاهز يا دكتور.
- أحب أطمنك أن كلها ساعات وهتقدر تشوف والدتك تاني، على الأقل أنت محظوظ هتبدأ رأس السنة الجديدة ومعاك والدتك، حتى لو أنت بس الوحيد اللي شايفها، أظن ده كافي يسعدك ؟

مردتش، أكتفيت بهز دماغي، بدأ الدكتور بعمل اللازم عشان نبدأ العملية، الحقيقة أنا مش قادر أصبر أكتر من كدة، الدكتور بدأ يديني البنج ويجهز كل حاجة تخص العملية، بدأ الدكتور يكلمني عشان يتأكد إن مفعول البنج بدأ، بدأت أحس أني بنام خلاص بس فيه ذكرى أقتحمت أفكاري وبعدها مبقتش شايف حاجة.

أنا في بيتي، أنا مش فاكر إيه اللي حصل بعد العملية، الجهاز قدامي، بدأت أشغل الجهاز واضيف كل البيانات المطلوبة، زي أسم الشخص اللي هشوفه مثلًا، طبعًا مقدرش أنسى أسم أمي.. وفاء.

بعد كدة طلب مني صورة هبعتها عن طريق موبايلي او في فلاشة وتكون صورة بالجسم بالكامل عشان يقدر يعرضها قدامي وبيانات تانية كتير، دلوقت فاضل حاجة واحدة، أني أدوس Start، ودوست.

- وحشتني يا يوسف.
الصوت ده أنا عارفه، ده صوت أمي!! بصيت حواليا، لقيتها، بالفستان الأسود اللي بتحب تلبسه برأس السنة دايمًا، أتحركت ناحية الكرسي الأحمر اللي بتحب تقعد عليه معظم الوقت، قعدت وأبتسمت لي، فضلت باصصلها لمدة مش عارف هي اد ايه، لحد ما قطعت الصمت ده.

- وأنتِ كمان وحشتيني.

فضلنا نتكلم كتير اوي، ونحكي عن حاجات كتير أيام ما كانت عايشة وموجودة، الساعة دلوقت قربت على 12 بليل وهنبدأ السنة الجديدة، ساعتها هي بصت على الساعة وقالت:
- فاكر أنا موت ازاي يا يوسف ؟

الحقيقة ماكونتش حابب أسمع السؤال ده، وخصوصًا أني فاكر كويس أوي هي ماتت ازاي، قامت من مكانها، خدتني من ايدي وأتحركت ناحية اوضة، أوضة نومي.. لما قربنا ناحية الباب حصل شيء غريب، فيه طفل صغير طلع من الأوضة!! الطفل ده يبقى أنا!!

- كدة تقدر تفتكر أنا موت ازاي يا يوسف.

أختفت ومفضلش غير الطفل، أو أنا وأنا صغير بمعنى أصح، فضلت أراقبه، أشوفه هيعمل إيه، كان رايح لشجرة الكريسماس، بس فيه صوت جه بيقوله :
-يوسف، أنا مش قولتلك تدخل تنام ؟
-بس أنا مش عايز أنام دلوقتي.

الجرس ضرب، راحت تفتح، راجل غريب دخل، الطفل أستغرب مين ده، بس أمه أو أمي أنا مش هتفرق قالتله بصرامة وقلق:
- خش نام دلوقتي يا يوسف.

دخل وأستسلم، فضل قاعد بأوضته بيلعب بلعبه، فضلت أراقبه لمدة مش كبيرة، لحد ما هو خرج تاني، اتحرك تاني ناحية شجرة الكريسماس، لمح باب أوضة أمه موارب، أتسحب بهدوء وبص، شاف اللي مفيش طفل عمره ما يتخيله، أمه مع عشيقها !! أتحرك بعيد عن الباب، قعد على الكرسي الأحمر، حاولت أروح اطبطب عليه، مقدرتش أمسكه، أنا مجرد شاهد على الحدث، باب الشقة اتفتح بهدوء ودخل منه راجل كبير، ده ابويا، ماسك في ايده هدايا كتير، أول ما يوسف شافه جري عليه وخده بالحضن، الاب منعه يعمل صوت عالي ويتكلم بهدوء:
- مش أنت كنت جاي بكرا ؟
- قولت أعملهالكوا مفاجاة، وأتفضل هدية رأس السنة أهيه.. Happy New Year.

خد منه الهدية من غير شغف الأطفال، وشكره، الأب لاحظ.
- في إيه يا يوسف، ماما زعلتك ؟
- عايز أقولك حاجة.
- قول.

فضل متردد شوية إنه يقول، بالنهاية قال:
- ماما.
- مالها ماما ؟
- في واحد كبير معاها جوا في الاوضة.

الأب أتعصب، كإن بركان جواه، قال بعصبية وهو بيجري على الاوضة وبيحاول يكدب الكلام ده من جواه.
- إيه اللي بتقوله ده يا يوسف!!

فتح الباب، لقاهم، أتصدم، مستناش كتير، المنظر قدامه شارح كل حاجة، صدمتهم قدامه شارحة كل حاجة، طلع مسدسه، أول ما داس على الزناد الساعة دقت 12، الموسيقى المظبوطة من ساعة الحائط الذكية أشتغلت.
We Wish You A Marry Christmas.
قتله وقتلها، دي نهايتهم، ساعتها كل حاجة أختفت وظهرت هي تاني.
- كنت بتحاول تهرب من الذكرى دي، صح ؟

أتعصبت، دمعت، جوايا كذا شعور في بعض، جاوبتها:
- اه بهرب، واه أنا مش عايز أفتكر الذكرى دي، مش عايز أفتكر اني السبب في موتك، حتى لو مليش ذنب في ده، أنتِ اللي خاينة، وده عقاب أي خاين، بس أنتِ أمي على الرغم من أي شيء، اه انا كرهت الذكرى دي، بس مكرهتكيش على الرغم من أحساسي بكرهك ليا، مع أن مفيش أم بتكره أبنها، حتى حاولت أرجع أحييكي من تاني حتى لو بخيالي، حتى لو بحتة جهاز بيخليكي تتعرضي قدامي.

أبتسمت، بس مكانتش أبتسامة أم، أبتسامة غريبة مش قادر أفهمها.
- بمُناسبة الجهاز، ما تيجي نسكت كدة أحنا الاتنين يا.. يا أبني، ونسمع بتركيز كدة حاجة أنت مش واخد بالك منها.

سكت فعلًا، دققت السمع، سمعت حاجة غريبة أوي، سمعت الدكتور بتاعي!! بيزعق ويقول:
- فيه حاجة غلط، الذاكرة العصبية بتأثر على الشريحة، لازم نلغي العملية حالًا وإلا هنفقده.

خوفت، أنا مش عايز أموت والذكرى دي أخر حاجة أشوفها، أنا مش حابب كدة، أمي قطعت اللحظة دي وهي بتقولي:
- الوداع يا يوسف.

الدنيا ضلمت تاني..

فتحت عيني لقيت نفسي بالمستشفى، الدكتور واقف قدامي.
- حمد لله على السلامة، أحنا أسفين جدًّا مقدرناش نركب الشريحة، كان فيه خطر على حياتك فأضطرينا نلغي العملية، أحنا ممكن نعملهالك بيوم تاني بس لما أعصابك تهدى الفترة دي، أنت محتاج ترتاح.

جاوبته بهدوء:
- خلاص مبقتش عايز أركبها، أنا كدة أحسن، بس ممكن سؤال ؟
- اه طبعًا أتفضل.
- أنا أقدر أخرج دلوقت ؟
- أكيد تقدر تخرج، بس..
- بس إيه ؟
- الحقيقة بعد ما لغينا العملية، ومفعول البنج بدأ يروح، بدأت تصرخ ومبتقولش غير كلمة واحدة.. ماما.

سكت، هزيت رأسي بس، بالنهاية كتبلي على الخروج، خرجت، الشوارع مليانة بناس، فاضل عشر ثواني على نهاية السنة، الناس كلها اتجمعت وبدأت تعد تنازليًا:
10
9
8
7
6
5
4
3
2
1
Happy New Year

روحت قعد بكافيه، طلبت درينك، فضلت قاعد سرحان باللي حصل، قطع السرحان بتاعي صوت الأغنية اللي أشتغلت بالكافيه.
We Wish You A Marry Christmas And Happy New Year!

#ABSENCE
مروان_كامل


لا توجد تعليقات حتى الآن "غياب - اليك القصة"

إرسال تعليق

ملاحظة للجميع
  • يمكنك وضع تعليق بصورة أو فيديو YouTube أو Vimeo.
  • المرجو ترك تعليق يتعلق بنفس هذا الموضوع.
  • لا يجوز الترويج للسلع أو البيع.
  • لا تقم بتضمين روابط مشبوهة في التعليقات.
  • سيتم حذف التعليقات ذات الروابط السبام تلقائيًا
  • *علق بشكل جيد ، شخصيتك تنعكس عند التعليق.

اعلان اول المواضيع

اعلان وسط المواضيع الاول

اعلان وسط المواضيع الثاني

اعلان اخر المواضيع