أنت معارض إذن أنت عميل - اليك القصة

أنت معارض إذن أنت عميل - اليك القصة




" القهر هو السمة الرئيسية للحياة في مصر
 هذه العبارة كتبتها على حسابي الشخصي على الفيسبوك بعد أن انتابني إحساس موجع بالألم من فرط القهر الذي أعاني منه وأراه كثيرون يعاني منه مثلي.
 " مصر أم الدنيا ولو مش عاجبك العيشة فيها امشي "
كان هذا تعليقا   كتبه أحد أصدقائي الافتراضيين اعتراضا على ما كتبته , رده أثار استغرابي ودهشتي  ليس لأنه أساء فهم كلامي  ولكن لأنه ليس الشخص الأول الذي يحثني على مغادرة البلد  لأنني تجرأت وعبرت عن شكوتي  , لقد حدث معي نفس الموقف من عدة شهور  في جلسة تخللها الحديث المعتاد عن أحوال البلد والحياة ,  وبمجرد أن تجرأت واشتكيت من  صعوبة الحياة في مصر وجدت وجه أحدهم يمتقع كأني صفعته على وجهه ويمط شفتيه في ضيق ثم عقد حاجبيه وقال لي  بغيظ " مالها البلد ما هي كويسة , احمدي ربنا اننا عندنا بلد نعيش فيها ومعندناش حرب أهلية زي سوريا والعراق ولبييا  ثم اختتم حديثه بنفس العبارة  " لو مش عاجبك البلد سيبيها  "
تعليقه جعل الدم يغلي في عروقي , أردت أن أقول له
  أولا هل أنت  صاحب البلد وأنا ضيفة عندك  حتى تطردني منها ؟
ثانيا من قال لك أنني أعيش فيها باختياري  ؟ 
إنني بالفعل أريد أن أرحل منها لأنني لا أريد أن أبقى في البلد  مع أمثالك, لم أقل له هذا الكلام احتراما لسنه ورغبة مني في تلافي الشجار وفضلت أن أغادر سريعا .
المواقف التي تعرضت لها رأيتها تتكرر بصور أبشع وأفظع   مع كثيرين من الكتاب المعارضين والمدونين والنشطاء السياسيين الذين تعرضوا للظلم البين و  الاغتيال المعنوي من وسائل الاعلام ومن عامة الشعب وتم الصاق بهم اتهامات شنيعة  لا  أساس لها  من الصحة  ابتداء من الخيانة والعمالة والجاسوسية مروا بالكفر والماسونية  ,  وأصبحت تطلق عليهم أسماء عديدة للسخرية والازدراء مثل  " نشتاء " و" ثورجية " بدون التأكد من صحة الاتهامات الموجهة إليهم ,    وحتى النشطاء الذين تعرضوا للسجن مثل علاء عبد الفتاح وشقيقته سناء  وأحمد دومة وأحمد ماهر  يتم معاملتهم من قبل الرأي العام كأنهم جواسيس وخونة للوطن  ,وليسوا مجرد معارضين تم حبسهم لأنهم اخترقوا قانون التظاهر   بينما يحظى مبارك وأسرته وأعوانه بتعاطف عدد غير قليل من الناس رغم ما ارتكبوه من جرائم فادحة في حق الشعب والوطن , إنه تناقض غريب ومحير.
ما  سبب الكراهية المتطرفة والعدوانية الشديدة التي يكنها الناس لكل متظاهر أو معارض لماذا يسارعون بإخراس أي شخص يبدي  اعتراضه على أحوال البلد  حتى لو كان في منزله أو في محيطه الشخصي الضيق , لماذا يربط الناس بين المعارضة وخيانة الوطن ؟  ولماذا يشككون دائما في دوافع كل حركة احتجاجية ويصرون أن أصحابها عملاء لجهات اجنبية  ؟
هناك أسباب عدة لهذه المواقف الغريبة
1- الخوف :

الكراهية والعدوانية والتخوين كلها أقنعة يتخفى تحتها الخوف  , الناس يخافون بشدة من الأصوات الناقدة المحتجة  ويحاولون بكل ما أوتوا من قوة أن يكبحوا أي صوت معارض حتى لو كان خافتا وهادئا  حتى لا  يعلو هذا الصوت ويتحول إلى حركة سياسية تؤدي إلى إعادة أحياء لأجواء ثورة يناير التي لم تجلب لهم سوى الخراب والفوضى ولم تغير حياتهم للأفضل  بل أنها كانت من وجهة نظرهم مؤامرة  أمريكية صهيونية ماسونية لهدم الوطن وتفكيكه , إنهم يريدون التمسك  بالاستقرار  الوهمي الذي منحه لهم النظام الحالي بأي شكل حفاظا على حياتهم وأمنهم ولقمة عيشهم.
2-  غسيل الدماغ :
 لقد تعرض اغلب عامة الشعب لغسيل دماغ على مدار السنوات الماضية على يد وسائل الاعلام التي يتم التحكم فيها عن طريق الأجهزة الأمنية  من أجل خداع الشعب وبث الأكاذيب والشائعات والتلاعب بالعقول وتغذية نظرية المؤامرة بالكثير من الأكاذيب والشائعات ,   وسائل الاعلام تلقن  الشعب مفاهيم مخلوطة وخاطئة للوطنية ,وتربط بين  الوطنية وبين التأييد الأعمى لكل ما يقوله ويفعله الرئيس  , لقد اختصروا الوطن في شخص الرئيس واقنعوا الناس    كل من يعارض النظام  لابد أن يكون بالضرورة عميلا مأجورا, لقد حولت وسائل الاعلام كثير من الناس السذج البسطاء  إلى  مخبرين يتصنتون على أحاديث أصدقائهم وأقاربهم ويسارعون إلى تكميم فم أي شخص يجرؤ  على الاعتراض باتهامه  بالانتماء للإخوان  , لقد  صارت الوطنية بالنسبة للناس  تعني وضع علم مصر في شرفاتهم أو لصق صورة الرئيس على زجاج سياراتهم أو الرقص على أنغام " بشرة خير " و " تسلم الأيادي " واعلان فخرهم الشديد بشكل متواصل  بكونهم مصريين أحفاد الفراعنة , و سب قطر وتركيا ,  والتشكيك في وطنية  أي  شخص يتجرأ على انتقاد مشروع قناة السويس أو التشكيك في الأرباح التي سيجلبها لخزانة الدولة , لقد صارت الوطنية بالنسبة للناس  أسلوبا  للاستعراض والتظاهر والتباهي  وكيد العوازل المنتمين للحركات الثورية أو الاسلامية , وليست سلوكا من المفترض يمارسه المواطن في حياته اليومية عن طريق العمل بجدية وأمانة وإخلاص والالتزام بالقانون .
3-   الإنكار:
لقد كتبت من قبل مقالا بعنوان نهر الإنكار في مصر يمكنكم قراءته من هنا  تحدثت فيه عن الإنكار كآلية دفاعية يلجأ لها المواطن المصري من أجل تجنب مواجهة الحقائق المؤلمة والمشاكل المستعصية , الناس  يلجئون لتهوين المشاكل أو السخرية منها أو إنكار وجودها من الأصل اعتقادا منهم أن نفي وجود المشكلة سيؤدي إلى اختفائها بينما هو في الحقيقة يؤدي إلى تضخمها واستفحالها , كل الكوارث والأزمات التي نعاني منها اليوم  سببها  الانكار الذي تمارسه السلطة الحاكمة  ويمارسه المواطن العادي لكل المشاكل واتباع مبدأ التهوين والتقليل من شأن المشاكل حتى تكبر وتصير أزمات مستعصية على الحل , لقد اعتاد الناس على انكار الواقع القبيح  الذي يعيشون فيه حتى صاروا يسيرون بجوار صناديق القمامة ويعبرون فوق المجاري الطافحة ويعطون الرشاوي للموظفين ويتلقون الصفعات من رجال الشرطة وهم  مبتسمين  , لقد التوت فطرتهم و  تعايشوا مع الأمر الواقع حتى صار الفساد والقبح والقمع بالنسبة لهم أمرا  عاديا لا يستدعي الاستغراب  أو الاستهجان , هؤلاء المواطنون  المتعايشون مع كل شيء خاطئ  يكرهون أي صوت  يوقظهم  من غفلتهم الاختيارية ويذكرهم بالواقع وبقسوة الحكم الاستبدادي الذي يعيشون في ظله  , لقد آمنوا  أن الوطنية تعني أن  تحتسي الأكاذيب مع قهوة الصباح وتقول نعم طوال الوقت  , ولذلك من الطبيعي أن يكون ردهم على أي شخص يقول لا " لو مش عاجبك البلد امشي وسيبها  






لا توجد تعليقات حتى الآن "أنت معارض إذن أنت عميل - اليك القصة"

إرسال تعليق

ملاحظة للجميع
  • يمكنك وضع تعليق بصورة أو فيديو YouTube أو Vimeo.
  • المرجو ترك تعليق يتعلق بنفس هذا الموضوع.
  • لا يجوز الترويج للسلع أو البيع.
  • لا تقم بتضمين روابط مشبوهة في التعليقات.
  • سيتم حذف التعليقات ذات الروابط السبام تلقائيًا
  • *علق بشكل جيد ، شخصيتك تنعكس عند التعليق.

اعلان اول المواضيع

اعلان وسط المواضيع الاول

اعلان وسط المواضيع الثاني

اعلان اخر المواضيع