عمار البيت - اليك القصة

عمار البيت - اليك القصة

عُمار البيت.. أو العَمار..
أول مرة سمعت الكلمة دي كان عندي ١٣ سنة.. قلقت من النوم الساعة ٢ بليل وحسيت بعطش.. فنزلت من السرير علشان اروح للمطبخ.. كانت الدنيا في الشقة كلها ضلمة ومفيش حد غيري صاحي.. لكني كنت طفل شجاع جدًا.. أو ممكن نقول طفل خياله مش واسع ومش متخيل إن في حاجة في الضلمة ممكن تئذيه.. كنت ماشي وسط الضلمة بدور على كبس الكهرباء علشان أفتح النور.. اه الدنيا ضلمة لكن يظل فيه إضاءة بسيطة متسللة من الشبابيك لجوه الشقة تسمحلي أشوف الأجسام بتاعت الأثاث ومخبطش فيها.
لما وصلت للكُبس لمحت جسم بيتحرك في وسط الضلمة.. جسم معتم جدًا سهل ترصده وسط الضلمة.. الجسم كان قريب من جسم والدي في الحجم لكن أطول شوية.. فنديت بتردد:
-بابا!
مردش عليا.. لكنه فضل يتحرك ناحية المطبخ.
-بابا!!
المرة دي وأنا بقولها دوست على كبس الكهرباء.. وبمجرد ما النور انتشر في الشقة.. الجسم ده اختفى في نفس اللحظة!!
اتفزعت جدًا وقتها وفضلت أصرخ لحد ما بابا وماما صحيوا.
-مالك؟!
أنا في حالة بكاء شديد ومبنطقش.
.
عدى ع اليوم ده حوالي ١٥ سنة.. خلال السنين دي كانت أكتر حاجة شاغلة تفكيري هي العمار!.. مش هبالغ لو قلتلك إني كنت بدور عبيهم في كل مكان بروحه.. عارف إنهم حواليا بس أنا مش شايفهم.. بقيت مهووس بيهم.. بصحى في نص الليل كتير عسى ألمحهم.. بحب أخش أماكن مهجورة أدور عليهم.. وثل بيا الأمر إني بقيت أحاول أستفزهم!.. بدور على أي طريقة تسعدني في إني أغضبهم وأضطرهم يظهروا.. أقرأ في السحر.. أتكلم عنهم في الضلمة.. أدلق ماية سخنة في الحمام!
لحد ما اتعرفت على شهاب في الجامعة.
شهاب مكنش شب عادي.. شهاب كان ساحر صغير.. شاب جرب كل حاجة ممكن مهاويس السحر يجربوها.. بل أتقن أشكال سحر كتير كمان.. صحوبيتي بيه في الأول كانت سطحية.. بعدين بقت أقوى للدرجة اللي تسمحله بمعرفة هوسي بعمار البيت.. وقتها قالي:
- واللي يخليك تشوفهم؟
-بجد!.. تقدر؟!
-يابني ساحر.. ولا لازم ألبس عباية وأركب مقشة علشان تصدق.
صدقته.. ونفذت اللي قلي عليه.. ولقيت نفسي خلال يومين قاعد أنا وهو وواحد صاحبنا تالت اسمه (إيهاب) مهووس بالحجات دي قاعدين في بيته.
كان المشهد تقليدي شوية.. احنا التلاتة عاملين مثلث وفي وسطنا شمعة وحوالينا شمع في كل ركن.. وفي قدام شهاب بالظبط طبق صاج مليان بخور وحجات تانية أنا مش فاهمها.
الساعة ١ بليل بالظبط بدأنا تنفيذ الطقوس.
-دلوقتي ده وقتهم.. الستار في أوهن حالاته حاليًا هيكون سهل نتواصل معاهم.. بس هحتاج منكم تكرروا الكلان ورايا وتتبعوا كل تعليماتي.. هنمسك ايد بعض احنا التلاتة بس خدوا بالكم.. لحد ما نخلص اوعى حد فيكم يفك ايده من التاني.. كده هنسبب شرخ هيكون صعب نصلحه.
وبدأ..

يا حراس الستار.. اسمحوا ليّ بحق بهاء حكمتكم.. وسطوتكم.. وعظمتكم.. بالعبور عبر الثغرة.. اسمحوا لنا او لهم بالعبور.. على ألا يؤذينا وألا نؤذيهم..

كنا بنكرر وراه الكلام ده.. بنبرة ثابته.. واسمحولي أذكر بس الجزء تللي فات ده لأن الكلام اللي قلناه بعد كده كان بلغة أنا مش فاكر منها حرف..
فضلنا ع الحال دي وقت طويل لحد ما أخيرًا قلنا اقفلوا عنيكم.. فضلت قافلها وحاسس بايد شهاب بتضغط على ايدي جامد.. وبايد إيهاب بتترعش.. ايد إيهاب اترعشت شوية بعد كده سكتت.. وبدأت تبقى باردة.. باردة بشكل مش طبيعي.. تلج..
في الوقت ده مقدرتش مفتحش عيني.. وكانت أكبر غلطة غلطها في حياتي.. لأني لما فتحت عيني ملقتش إيهاب.. أنا لقيت مكانه كائن اسود.. اسود بس.. مفيش أي ملامح ليه ولا حتى عيون.. كتلة سواد زاي اللي شفتها قبل كده من ١٥ سنة بس ليها هيئة بشرية.. وكنت ماسك ايد الشيء الاسود ده!
طبعًا من رعبي وفزعي شديت ايدي من ايده فسمعت صرخة اطفى بسببها كل الشمع اللي حوالينا وسمعت صوت في وداني بيقول:
-لقد شُرخ الستار.. ليكون الفضول لعنتكم التي أودت بكم إلى الهلاك.
لحظات من الرعب والتخبط قبل ما يفتح شهاب النور وهو بيولول:
-الله يخربيتك.. الله يخربيتك.. احنا في مصيبة..
أنا متنح من فاهم حاجة.. الجيم الاسود اختفى وإيهاب رجع تاني بس واقع من فوق الكرسي ع الأرض.. جس شهاب نبضه وشفت الرعب واحدة واحدة بيكبر على وشه.
-إيهاب مات.. احنا شرخنا الستار وموتنا الشيء اللي حضر معانا الجلسة ده.. وفي المقابل خد معاه روح إيهاب.. مش هيسبونا.. مش هيسبونا.

-والعمل ايه طيب؟
-مفيش عمل.. أنا هحاول أحصن نفسي على قد ما أقدر.. وانت احنا هنا بسببك.. فأنا مقدرش أساعدك.
-يعني ايه؟!
-يعني بعد ما نخلص من موضوع موت إيهاب ده والسسن والجيم.. أنا هختفى.. واتعامل انت مع اللي هيحصل.
مكنتش فاهم بس خايف.
قعدنا أسبوع في حواديت بسبب موت إيهاب.. قلبه وقف ومفيش أي حاجة تحطنا في موضع اتهام فخلص الموضوع على خير.. خير!.. هو منين هيجي الخير.. شهاب اختفى.. وأنا بدأت أفهم هو كان بقصد ايه بإني اتعامل مع اللي هيحصل.
أما بقيت بشوفهم في كل مكان.. كل زاويا.. كل خرم ابرة.. من أسبوع كنت قاعد مع عيلتي على ااسفرة بناكل فببص لقيتهم كلهم أجسام سوداء.. ولقيت واحد منهم طالع منه صوت بيقولي نف الجملة:
ليكون الفضول لعنتك التي اودت بك إلى الهلاك.
صرخت كتير وعيلتي اتلمت حوليا مستغربين لحد ما فقدت الوعي.
مش محتاج أقول إن دخول الحمام هو أسواء كابوس ممكن يحصلي.. بيكونوا واقفين حوليا في كل شبر..
بستحمى فغمض عيني أفتحها ألاقي واحد فيهم في وشي.. كام مرة رقبتي كانت هتتكسر في الحمام من الخضة.
بصحى بليل علشان اشوفهم ملفوفين حوالين سريري.. بشوفهم حتى في الجامعة ماشين وسط الطلبة في الحرم.
تصرفاتي بقت اشبه بواحد مجنون والكل بدأ يتجنبني.
حابب أوضح إنهم عمرهم ما لمسوني أو حولوا يئذوني.. بس هنا دمروا أعصابي.
الحال ده استمر أسبوعين.. لحد ما وصلتني رسالة ع الموبيل.. كانت من شهاب:

حاولت على قد ما أقدر أحصن نفسي منهم معرفتش.. الموضوع اكبر منك ومني بكتير.. احنا فتحنا باب مش هيتقفل غير بموتنا.. أنا بكتبلك الكلام ده وأنا ناوي ع الإنتحار.. مش هقدر أستحمل الحياة بالشكل ده أكتر من كده.. نهايتي هتكون الموت قلبي واقف أو الجنون..
الإنتحار أكتر حل رحيم بالنسبالي.. مفيش قدامك فرصة قدامهم.. حتى لو لجئت لسحرة تانين او شيوخ.. دول مش شياطين.. دول عشيرة جاية تاخد بطار اللي مات منهم.. ومش هيسيبوك غير ميت.

خصت قراية الرسالة.. وفهمت هو عايز يقلي ايه.. أنتحر.. ده فعلا اسلم طريق للهروب منهم.. بس هكتب الأول القصة دي وهسيبها جانب جثتي علشان يعرفوا أنا انتحرت ليه..
انت لو بتقرأ الرسالة دي دلوقتي ووصلت للجزء ده.. فمعنى كده إني انتحرت فعلًا.. وانت دلوقتي أكيد بتدور نوع المرض النفسي او العقلي اللي خلاني اتخيل كل ده وأنتحر وأكتب الرسالة دي.. مش هلومك.. ممكن اكون فعلا مجنون وبتخيل كل ده.. حتى لو ده حقيقي.. فأنا مش هقدر أعيش مع مرضي ده أكتر من كده.
ربنا وحده دلوقتي هو اللي بعلم.. هل انا مجنون.. ولا مجرد واحد فضوله خده لهلاكه..