قائمة الموتي - اليك القصة
قائمة الموتي - اليك القصة
الكابوس المُفزع ذاته يراودني كل ليلة، حتى بات يتجسد لي نهارًا في أوقات يقظتي..
"وحشُ ضخم يهاجمني وأنا مربوط الأيدي، مثبتة قدماي فى الأرض، لا أستطيع الحراك.. يهاجمني بشكلِ عجيب؛ يُضربني ضربة قوية ثم يفر بعيدًا ويعود ثانيةً ليكرر نفس الضربة، وفي أماكن مختلفة من جسدي..
ظل الكابوس ينتهي في منتصفه حتى اكتمل ذات مرة، ومن وقتها يتكرر بنفس الأحداث..
أصحو مفزوعًا كل مرة، اتحسس الفراش حولي وأُحرك يداي
لأطمئن أنه مجرد كابوس فقط.. وانني في غرفتي وبخير "
......
انفتح الباب فجاءة
وجاءني صوتها القَلِق:
"ماذا حدث؟
مابكَ يا حبيبي ؟"
-لا شئ يا أمي، أنا بخير، لابد أنه كابوسي المُعتاد
- صراخاتك أفزغتني،
وماشأن هذا الكابوس؟
- آسف.كابوس يُزعجني، كنت قد توقفت عن رؤيته منذ شهر
لكنه جاءني من جديد الليلة..
جاءت وجلست بجواري تمسح بيديها علي رأسي
وهو تقرأ بعض الآيات
ثم قالت لي:
أظنك مضغوطًا من الامتحانات،
شهرين وانت فى ضغط مستمر
كنت قد حدثتني بشأن سفرِ ما، اذهب مع اصدقائك
انا لست معترضة، سأكون مع اخيك الصغير حتى ينتهي من امتحاناته هو الآخر..
-قَبلتُ رأسها وتُهت بعدها فى سبات عميقّّ.
لأول مرة منذ شهرين أنام بهذه الراحة،
و ظلت هي مُستيقظة بجواري طوال الليل ..
أزعجني خوف أمي أكثر من الكابوس نفسه، عيناها تُقلقني كثيرا، كأن حدثَا ليس بهين على وشك أن يحدث لنا..
......
فى الصباح جهزت شنطة سفري،
اتفقنا أنا وأصدقائي أننا سنسافر يومين إلى أي مكان بعدما ننتهي من الامتحانات..
دراسة الطب مُجهِدة لحدِ كبير،
لكني أستمتع بتعبه كلما أتذكر أنني حققت حُلم أمي
الذي استثمرت فينا كل أيامها بعد وفاة أبي ..
كانت تحدثني عن أبي ذات مرة،
فأخبرتني أنني من الممكن يومًا أن أساعد الكثير من الأطفال حتى لا يفقدوا أباهم مثلما فقدناه أنا وأخي..
......
افتح عيناي بصعوبة، ألم شديد يتمكن من كل جزء بجسدي،
وإبر المحاليل مُعلقة بذراعي..
لا افهم كيف جئت لهنا ؟
خرجت كلمة " آااه" رغمًا عني
فجاءتني وعيناها تملؤها الدموع
-ماذا حدث ؟
-أُغمى عليك صباح اليوم
.........
" الوحش يضربني ضربة تلو الأخرى ثم يفر
ولا استطيع حتى الصراخ، صرخاتي مكتومة .."
......
- أنت طبيب وعليك تفهم الوضع.
" bone cancer "
فى المرحلة الثانية.
سرطان عظام وتحديدًا "سرطان عظم أولي"
- لم أستطع النطق.
سرطان عظام !
- تعاني من انميا حادة ويبدو لم تنتبه من فقدان وزنك المُفاجيء. أعلم أن الوضع صادم لكني أُحدثك الآن لنبدأ بأول خطوة فى أسرع وقت
- سرطان عظام !
-قمنا بأخد عينة صغيرة"خزعة" من النسيج المُصاب لفحصها بالمختبر وتحديد المرحلة لنضع الخطة العلاجية.
كُنت أسمع حديثه كمحاضرة اعتادتُ سماعها من اساتذة جامعتي، كأن وصف الحالة لا يخصني!
لا استطع حتى استيعاب الصدمة.
كان قد مر أربعين ساعة على وجودي فى المستشفى ،
وامي تستقبل كل هذه الاحداث معي بدموعها التي لاتتوقف..
......
شعوري كان على صواب
"حدثًا ليس بهين على وشك أن يحدث لنا."
.........
وجدتني اشد الإبّر من ذراعي
بينما يأتيني صوت الطبيب:
" أنت طبيب ! تعلم أن الوقت ليس بصالحنا الآن
ساعدني، ساعد نفسك، لا أريد أن نصل للمرحلة الثالثة
الورم الآن فى منطقة محددة من العظام
سنبدأ بجرعات كيماوي لنقلل من انتشار الخلايا المصابة "
لم أجبه بكلمة،
خرجت من الغرفة استند على الحائط كطفلِ تائه
.....
مر يومُ كامل وأنا داخل غرفتي بعد ان اغلقت بابها رافضًا أن أسمع أو أتكلم،
مستلقي علي السرير ولأول مرة أنهارُ بهذا الشكل.
كيف أتقبل !
سرطان عظام ! سأموت ببطء أمام أمي! حتى تدفنني مثلما دفنت أبي مسبقًا ..
كيف ستتحمل !
......
"الوحش يسقط أرضًا أمامي
وأنا فى نفس وضعي معدوم الحركة..
كأنه قشًا تأكله نارُ شديدة.
الوحش انهزم . "
استيقظت مفزوعًا كعادة هذا الكابوس معي
ولكني استطيع أن أفهمه الآن،
تتضح أمامي الرؤية كاملة.
الوحش هو السرطان الذي يدمر خلايا عظامي خلية تلو الآخرى
ورغم ذلك انهزم فى النهاية.
انتهت المعركة لصالحي !
.....
عدت إلى غرفتي هذه المرة، ولكن لست منهارًا، تاركًا العالم كله خلف بابي كالمرة السابقة..
عدتُ منتصرًا على سرطان عظامي أو وحش كابوسي إن صح القول..
........
المرض الذي يجزم الجميع أنه مميت وأنك لامحالة فى قائمة الموتى منذ أن تكتشف وجوده.
قد ينهزم إن تمسكت بأمل تحارب لأجله..
كانت قوتي أمي أولًا، ثم كُرهي للحظة إنهياري، ثم رفضي للهزيمة..
لم تنهزم أمي حين كانت بمفردها فى الماضي
كيف أخذلها وأنهزم!
أسبابي قد لاتكون هي نفس أسبابك..
لكن دعنا نتفق ألا نستسلم..
إن عاد السرطان لي مرة ثانية أو حتى ثالثة
سأُحاربه بنفس القوة وسأهزمه فى كل مرة ...
لسنا فى قائمة الموتى عزيزي.
قد نكون من الآن فى قائمة الأحياء..
.......
"قائمة الموتى. "
وسام عبدالوهاب
لا توجد تعليقات حتى الآن "قائمة الموتي - اليك القصة"
إرسال تعليق
ملاحظة للجميع