قصة لعبة العرافة - اليك القصة

قصة لعبة العرافة - اليك القصة

-الموت يا مصيلحي، الموت له هيبة غريبة وتجربة قاسية على اللي عايشين قبل الميتين.

قال لي جدي كلامه ده وهو واقف جنبي قصاد قبر ابويا، بصيت له والدموع في عينيا وبعد كده بصيت للقبر من تاني..

-معاك حق يا جدي.. معاك حق، بس تفتكر ام زغلول العرافة كانت تقصد مين اللي هيموت بعد ابويا وعمي؟!

قرب مني جدي وحط إيده على كتفي، وقتها افتكرت اللي حصل من تلات اسابيع، بالتحديد يعني.. افتكرت اليوم اللي دخلت فيه العرافة (ام زغلول) عندنا البيت بحجة إنها تضرب لنا الودع، وساعتها قالت قصاد العيلة كلها كلام مش هنساها لحد النهاردة...

(الموت زي القضا المستعجل.. لما بيدخل دار، مابيخرجش منه إلا وهو واخد حقه وزيادة.. إلا لو.. إلا لو عاندته، يعني الكبير ميت.. وبعده الصغير والوسطاني، او الوسطاني وبعده الصغير.. وفي الأخر.. مصيلحي!)

قالت ام زغلول الكلام ده، ولمت الودع والرمل بتوعها ومشيت..

من يومها  وحال الدار عندنا اتقلب، الكل بقى خايف من الموت، وبالذات ابويا الأخ الوسطاني، وعمي الأخ الصغير، اما عمي الكبير.. ف ده ميت من سنين.. وعشان الكلام اللي اتقال ده، حسيت إن عمي وابويا ابتدوا يبصوا لبعض بصات غريبة، لحد ما في يوم، صحينا الصبح على خبر موت عمي في أوضته، وبعد العزا والدفنة، سمعت ابويا وهو بيكلم نفسه في الحمام..

(خنقتك بإيدي يا اخويا عشان ماموتش قبلك، قتلتك عشان انا اعيش.. ماهو زي ما ام زغلول قالت؛ الموت لما بيدخل دار مابيخرجش منه إلا لو عاندته، سامحني يا اخويا.. سامحني)

سكتت ومارضتش اتكلم ولا اواجه ابويا باللي حصل، ما انا هقول لجدي وللناس ايه، ابويا قتل عمي عشان كلام عرافة!

بصراحة خوفت اتكلم لا اودي ابويا في داهية، بس بعد موت عمي بيوم، ابويا تعب وجاله ألم فظيع، وعقبال ما خدناه ووديناه المستشفى.. كان مات، وبرضه بعد الدفنة والعزا.. وبالصدفة برضه؛ شوفت في أوضة عمي أزازة سم، وساعتها عرفت إن في حد سمم ابويا، جايز تكون مرات عمي اللي سابت البيت بعد موت ابويا، جايز تكون هي اللي عملت كده لما شكت في ابويا، وجايز يكون عمي نفسه قبل ما يموت.. في الحقيقة مش عارف، بس كل اللي انا عارفه، إن ام زغلول طلع معاها حق...

وعشان كده فوقت من سرحاني على صوت جدي اللي قال لي بحزن وهو بيطبطب على كتفي..

-يا ابني انت مصيلحي.. وانا كمان مصيلحي، ما انت اتسميت على اسمي من وانت لسه في بطن امك.. ف الله أعلم بقى مين هيموت قبل مين، والله أعلم كمان مين هيقضي على مين...

وقتها حسيت بالغدر في كلام جدي، وفي نفس الوقت سمعت كلام ام زغلول في ودني، ف عشان انقذ نفسي من الموت قبل جدي مصيلحي، ماحستش بنفسي إلا وانا ماسك راسه وبخبطها كذا خبطة ورا بعض في شاهد القبر، جدي ابتدى يفرفر او يطلع في الروح.. بس قبل ما يموت بص لي والدم مالي وشه...

-كنت عارف.. نفس أزازة السم اللي سميت بيها ابوك لما اعترفلي إنه قتل عمك، حطتلك منها في الشاي، كنت حاسس إنك هتموتني وعشان كده قولت اسبقك.. لازم مصيلحي يموت قبل مصيلحي عشان واحد منهم يعيش، بس الظاهر كده إن ام زغلول كان معاها حق.. الكبير والصغير والوسطاني وبعدهم مصيلحي، احنا الاتنين يا ابن ابني.. احنا الاتنين.

كنت بسمع جدي وانا مذهول، بطني ابتدت تتقطع، وقبل ما اتحرك خطوة واحدة من مكاني، حسيت بألم فظيع في معدتي وغصب عني وقعت على الأرض جنب جدي اللي مات، وانا كمان موتت جنبه..... 

************************

(في نفس اليوم بعد وفاة رجال عائلة مصيلحي، ولكن المشهد الأن في منزل عمدة قرية) 

انا ام زغلول العرافة، دخلت دار العمدة وقعدت قصاده وانا بضحك اوي زي ما هو كمان كان بيضحك..

-اوامرك اتنفذت يا ابا العمدة، رجالة عيلة مصيلحي كلهم تعيش انت، الأخ قتل اخوه.. والحفيد قتل جده، دلوقتي بقى تقدر تدخل بيوتهم وتاخدها هي وأراضيهم من غير ما حد يتعرضلك.

ضحك العمدة اوي وقال لي بغرور...

-عفارم عليكي يا ام زغلول، كده ليكي عندي الكام قيراط اللي في الناحية البحرية، وكمان المواشي اللي وعدتك بيهم.. بس انتي متأكدة من إن رجالة العيلة كلهم ماتوا؟

ضحكت للعمدة وقولتله بكل ثقة..

-طبعًا يا جناب العمدة.. ده انا لسه سايبة الواحد مصيلحي هو وجده، الاتنين ميتين قصاد المدافن.. يلا، كده تار عيلتك القديم رجع، والراجل اللي اسمه مصيلحي الظالم المفتري ده، بعد ما قتل عمك واستولى على أراضيكوا زمان، وماحدش قدر يقف في وشه عشان له واحد نسيبه بيشتغل في المحافظة، دلوقتي بقى ميت، وانت تقدر ترجع الحق لاصحابه.. عيلتك يا جناب العمدة.

ضحك العمدة بصوت عالي، وبعد كده طلع حتة أفيون كبيرة من جيبه وبلعها وهو بيقول لي..

-ايوة يا ام زغلول معاكي حق، انا ما صدقت اني بقيت العمدة من شهر بس، واديني اهو بذكائي وسلطتي.. رجعت ال.. ال.. اااه....

صرخ العمدة بعلو صوته، خرجوا ولاده الاتنين، كانوا شباب طول بعرض، حضنوا ابوهم وحاولوا ينقذوه، لكنهم للأسف ماعرفوش، العمدة طبق الأفيون على نفسه وجاب أجله!

ساعتها صرخت بعلو صوتي وطالبت بحقي اللي العمدة وعدني بيه قبل ما يموت، بس ابنه الكبير اللي اكيد هيبقى العمدة من بعده.. طردني من البيت، لكني بقى قبل ما اخرج، وقفت لثواني فكرت فيهم، وبعد كده قعدت قصاد باب الدار وفرشت الرمل والودع وبصيت لولاد العمدة الله يجحمه مطرح ماراح وقولتلهم...

-بعد موت الأب او الكبير.. هيموت الصغير او الوسطاني، او الوسطاني وبعده الصغير... ما الموت زي القطر، بياخد اللي في سكته، إلا إذا عاندته!

وبعد ما قولتلهم كده لميت الرمل والودع ومشيت.. مشيت وانا عارفة إن اللعبة المرة دي كمان هتصيب، وفعلًا بعد أسبوع بالظبط الأخين كانوا مخلصين على بعض، عارفين ليه، لأنهم صدقوا اللعبة.. اه لعبة وكلها كدب في كدب، ما هو لا الموت بيتعاند، ولا حد بيقدر يعرف معاد مين قبل مين.. بس اللي خلاهم عملوا في بعض كده هو الخوف من الموت؛ ماهو له هيبة غريبة وقبضة مايحسهاش إلا اللي اتلعب معاه نفس اللعبة وصدقها.. لعبة العرافة..

إنما انا.. ف انا مستحيل احس بيه، لأني في الأساس لا عرافة ولا اسمي ام زغلول!

تمت

محمد_شعبان

>

مجموعة تفسير الرؤى والأحلام على فيسبوك

قصة لعبة العرافة - اليك القصة